ترجمة محمد عبد الله
دعوة لـ"خطط الخروج":
يدعوكم المتحف المشاعي[1] الفلسطيني والمدرسة المُفكَّكة - فلسطين للمشاركة والإسهام في الدورة الأولى من مشروع «خطط الخروج»، والذي يعقد بالتعاون مع «أشكال ألوان».
«هو مشروع يُعيّن عدداً من التدابير المنظورة في شتى أرجاء العالم، تسعى بموجبها فرقٌ وجماعاتٌ للاستعانة بما تيسّر لها من موارد، يستمدونها من مؤسسات قائمة، من أجل تأسيس بُنى تحتية وسبلٍ لديمومة وجودهم وقوت يومهم، خارج إطار تلك المؤسسات.
«خطط الخروج» هي محاولة لأن نفكّر سوياً في التدابير والأنماط والعلاقات المُمأسَسة التي نسعى للتملّص منها، وكذلك في التي نرغب بابتكارها. فإذا كان لڤيروس كورونا والجائحة أن يكشفا عالمياً عُمق اللامساواة المترسّخة في المؤسسات ومنظومة القيم والتقييم، المُتّسمة جميعها بالنزعة الاستعمارية والأبوية والرأسمالية، فما هي الإجراءات التي بمقدورنا أن نتّخذها من أجل انتشال مجتمعاتنا، ووضع حدٍ لاجترار الأنماط والآليات والمؤسسات التي تولِّد ما لا يحصى من أشكال العنف؟
««خطط الخروج» هي دعوة لاستطلاع مقاربات العيش المتكافل والتشارك فيها. عيشٌ يناهض الأحوال والتدابير التي تخرّب الحياة وتنكرها، على اختلاف أشكالها.
إن فلسطين بالنسبة لنا هي موضع باتت فيه هذه الاستطلاعات أمراً مُلحّاً على نحو خاص، وإن كانت التساؤلات التي نطرحها ليست حكراً عليها.
سوف تعقد الدورة الأولى من «خطط الخروج» في 21 آب في صورة منتدى على الإنترنت. على أن تتّخذ هذه السلسلة من اللقاءات أشكالاً جديدة بمرور الوقت، في سعيها للانفتاح على قدرة الفن على "بعث"[2] أنماطاً مغايرة للوجود/ التأمّل/ التمعّي[3]، وللانتساب إلى بعضنا البعض وإلى عوالمنا، ولا سيما في وسط حال التردّي المجتمعي والبيئي المستمر، وضدّه أيضاً.
التاريخ: الجمعة 21 آب، 3:00 - 9:00 بتوقيت فلسطين.
سوف تنطلق الدورة الأولى من الأسئلة التالية:
● كيف لنا أن نخرج من إعادة توليد المؤسسات التي لا تنفك تجتر العنف المفروض على مجتمعاتنا، وتعمّمه أيضاً؟
● ماذا نفعل بالمؤسسات الموجودة؟ هل نحن قادرون على إعادة توجيه تلك المؤسسات التي ترسّخت في داخلها أنماط المهايأة الاستعمارية والعنصرية والأبوية؟ كيف لنا أن نتصوّر حركة تفكيك تلك المؤسسات، وأن نقرّها؟
● كيف لنا نشدّد على هياكل العون، القائم منها والموروث والدارج وغير الرسمي واللاتراتبي، وكذا استردادها والتضافر معها، إلى جانب الاهتمام بالحياة المُشتركة؟
إننا نعتبر هذه الدعوة، بالإضافة إلى ما سبق، سبيلاً للتقارب ما بين الناس والجماعات والمبادرات التي قد يهمّها أن تشاركنا تجربتها ومساعيها في "بعث" التساؤلات السابقة وغرسها وتفكيكها والتأمّل من خلالها. لمن يهمهم الانضمام للمنتدى و/أو مشاركتنا بحوثهم وأشغالهم التي تتناول تلك القضايا، رجاء مكاتبتنا على عنوان: exit@communistmuseum.org
خطة خروج المتحف المشاعي الفلسطيني
I. المرحلة الأولى
في مطلع العام 2018، انطلقت تدابير إنشاء ما اصطُلِح على تسميته مؤقتاً باسم «المتحف المشاعي الفلسطيني».
تأتي هذه التسمية الاستفزازية بادئة حوار حول الوسائل التي تضع بموجبها أنماط المأسَسَة النيوليبرالية نفسها موضع الصدارة على مدار السنوات الخمسين المنصرمة، ولا سيما في فرض وتطبيع النزعة العقلانية والقيم والصيرورات الاستعمارية والرأسمالية والأبوية، إلى جانب تعميمها في هياكل دعم المعاش اليومي،وذلك في المستعمرات القائمة او ما يُعرف باسم المستعمرات السابقةالسابقة. تتأتّى هذه التدابير، جزئياً، عبر فرض أنماطٍ من الشيوع التي تفرز الفردية، وكذا تأسيسها والتشديد عليها وإنفاذها، إلى جانب أنماط من الشيوع التي لا تزيد عن كونها مجموع ذوات منفصلة، تنطلق من مصلحة الذات والارتقاء بالذات وتطوير الذات وتخمين الذات.
وعليه، فإن مهمة إنشاء هذا المتحف كانت تفكيكية بقدر ما كانت تتعلّق بالاسترداد. انطلقنا من ثلاث كلمات، أو أسماء أو أفكار أو عقد، زاخرة بالوعود بقدر ما تفرز أكنافاً وانغلاقاً وحدوداً.
متحف. شيوعي. فلسطيني.
إن استرسلنا في هذه الكلمات وأعدنا التدبّر في معانيها وفي اتصالها بغيرها من الكلمات والأسماء والأفكار، فكيف لنا أن نخلُص إلى سبل أخرى لمقاربة كل منها، إلى جانب مقدرتنا على خلق العوالم، ولا سيما في هذه المرحلة المتّسمة بتفشّي دوائر الدمار والعجز؟
لقد خلُصنا - بالمشاورة - إلى فكرة أن هذا المتحف موجود بالفعل. موجود في كل دار فلسطينية تتواتر فيها محفوظات متهالكة أو مواد ذات حيثية أو شهادات أو حكايات أو أقوال أو وثائق أو أشغال فنية أو أدوات أو تسجيلات أو آثار أو رقصات أو حركات أو شظايا تاريخ أو ثقافة، من يد إلى يد ومن فم إلى فم: محمولة على أجساد تحفظها وترعاها. حفظتها آدابٌ تتّسم - بسليقتها - بالأناركية والنسوية ومناهضة الاستيطان والشيوعية ("من كل حسب قدرته إلى كل حسب حاجته"[4]). وفي ضوء ما سبق، يجوز أن نطلق على المتحف اسم «المتحف النسوي الفلسطيني» أو «المتحف الفلسطيني المناهض للاستعمار» أو «المتحف الأناركي الفلسطيني» أو «المتحف الدارج الفلسطيني».
علاوة على ذلك، فإن مهمة "إنشاء" هذا المتحف لا تعني ببساطة تأسيسه، وإنما هي أقرب لتفكيكه أو بالأحرى "بعثه": أي أنها صيرورة هجر لا جزم.
وهكذا، فإن طرح هذا المتحف هو جَدْلٌ لتلك المحفوظات التي تحتضنها الدور، إلى جانب أشغال فنية لفنانات/ين من فلسطين ومن الخارج. ومن خلال هذا الجَدْل لمختلف الصنائع والحساسيات، بمقدور أشكال مغايرة من هياكل الدعم والسياقات والمعاني أن تتكشّف، سواء لتلك الصنائع أو لغيرها من المواد المحفوظة في الدور وفي غيرها من المساحات العامة والمخيمات والحارات والقرى.
يمكنكم التعرّف على لمحة من آثار المرحلة الأولى على موقع المتحف: http://communistmuseum.org/phaseone/
II. المرحلة الثانية
في ربيع 2019، أُطلقت مبادرة «المدرسة المُفكَّكة - فلسطين» بدلا عن نهج الأقسام "التعليمية" التقليدية للمتاحف.
كيف لنا أن نفكّر في التعلّم خارج إطار الأنماط الاستعمارية والعنصرية والرأسمالية والأبوية التي فُرضت علينا، والتي نزعت القيمة عن أي نمط آخر للمعرفة أو النشر أو التعلُّم، سواء من بيئتنا المحيطة أو من بعضنا البعض؟
تستلهم «المدرسة المُفكَّكة» مُنجَزات الحركات المناهضة للاستعمار والحركات النسوية وإرثها، وذلك إلى جانب كتابات إيڤان إليتش التي يتناول فيها أفكار فصل الدولة عن التعليم[5]وتفكيك المدرسة[6]. تمضي هذه المبادرة أيضاً بالتوازي مع جهود مشهودة في فلسطين وغيرها من محلّات التجربة الاستعمارية، تتناول البحث عن تعليم وضعيّ، بما في ذلك مسارات قام بطرحها مفكرون منهم خليل السكاكيني ومنير فاشه. لقد انطلقت مبادرة «المدرسة المُفكَّكة» مع سلسلة من حلقات الدرس القصيرة في رام الله وبيت لحم وحيفا والقدس، تربو لشق سبلاً لإعادة تأسيس أو موضَعة قضية التعليم وتفكيكه.
كيف لنا أن نستعيد التعليم من مستوطنات المعارف التي انغلقت عليه حتى أحالته مهنةً ووسيلة لإنتاج/ توليد "العالم الذي يدمر كل العوالم"[7]؟ إذا اعترفنا بأن المدارس والجامعات تلعب بإطراد دور المسوغ لإنتاج ذواتٍ نيوليبرالية: تلك التي تتَّسم بالفردية وبالتخصص وبالحس الاقتصادي وبالمديونية وبقبولها للحالة الاستعمارية التي لا تُنازَع والسائدة على أشكال المعرفة والعلاقة مع عوالم التي يجري التدرّب عليها وترويجها، فكيف لنا أن نعاود موضعة تقاليد تعلّم مغايرة، إلى جانب غيرها من أشكال معرفة العالم جماعةً، ومعرفة بعضنا البعض (http://communistmuseum.org/de-school)؟
III. المرحلة الثالثة
تأتي المرحلة الثالثة من تفكيك هذا المتحف في أوج الجائحة، وهي التي دفعت العالم بأسره إلى مساءلة جميع الأحوال التي سادت قبل وقوعها. أحوال تضرب بجذورها في مؤسسات المجتمع، لا تنفك تفرخ المزيد من اللامساواة والمزيد من الأسياج حول المشاع والمزيد من أشكال العنف الاستيطاني والعنصري والرأسمالي والأبوي المسدّدة كلها صوب الحياة.
ونظراً لتفاقم آثار هذا العنف البيئي، وللعبء غير المتوازن الذي لا تنفك تضعه على كاهل أكثر الجماعات استضعافاً والمقموعين تاريخياً بفعل آلياته، بات من المُلحّ أن نتناول قضية هجر تواطؤنا القسري مع إعادة توليد تلك التدابير، والنهوض في وجه هذا التواطؤ.
لذا، فإننا نطرح «خطط الخروج» عنواناً تحضيرياً للمرحلة الثالثة، باعتباره سبيلاً للمضي قدماً على درب التفتيش عن أنماط مغايرة لاحتضان العيش المشترك ورعايته ومكاثرته، إلى جانب تعيين القضايا التي تستوجب أن نوليها اهتمامنا ورعايتنا.
إننا نضع منتدانا في قلب واقعنا الراهن، وفي عهد الفيروس. لقد أثبتت حال الاستثناء التي نعيشها، من دون شك، عدداً من الحقائق التي لا يجوز إغفالها، نذكر منها:
● تشوّه أنماط وبُنى الرعاية وطرق توفيرها
● شراسة سلطة الدول وجنوحها، في تعيينها أي أوراح تستحق العيش، وأيها جدير بالرعاية
● الإهلاك الثابت والمستمر لنطاقات[8] الوجود المشترك
●قرون من أنماط الفكر الاستعماري والعنصري والرأسمالي والأبوي، وكذا روابط الصلة بالحياة والأرض، والتي تتضمنها العديد من المؤسسات القائمة وأنماط أشغالها
تطرح تلك التجلّيات والكشوف عدداً من الأسئلة حول الأثر الذي تطبعه علينا هذه الجائحة. كيف لنا أن نتجنّب تطبيع الظلم واللامساواة العميقة وكذا نقاط الضعف التي لفت الڤيروس انتباهنا إليها؟ كيف نفتّش - معاً - عن سبل للرعاية الجمعية التي لا تنكر أو تطبع قصور مؤسساتنا القائمة البيّن والهيكلي، وأن نصوغها سوياً من أجل مجابهة تحديات اليوم؟ كيف "نبعث" ظروفاً تسمح بوقوع أمراً مغايراً وبزوغه زمنياً وفكرياً وعملياً، سواء على صعيد المرونة أو الكُمون؟[9]
التأمّل مع فلسطين
-
إن حال الاستثناء التي نعيشها تُملي شروطها على القاعدة. وفي سياق تلك الحال، يغدو كل موضع من مواضع الاستثناء محلاً للتجريب المَواتيّ[10] في الحياة وعليها.
-
في ظل تلك الحال، تشق كل أزمة جديدة درباً لامتحان درجة تطبيع تدابير الانضباط والسيطرة والمراقبة القصوى، إلي جانب التدابير التي تُحرم المجتمعات بموجبها من حق تقرير مصيرها.
-
من ضمن جمهرة المعاني التي يرغب المرء في إضفائها على اسم فلسطين، على الأقل من منظور تحرري، لا يرغب المرء في أن ينطلق من براديغم المخيمات والقمع، ولا من كونها بؤرة مئة عام من التجريب الذي أسفر عن تعميم تقنيات استثنائية وأدوات أشكال السلطة والهيمنة واستغلال الموارد ذات النزعة الاستعمارية والعنصرية والرأسمالية والأبوية. علاوة على ما سبق، فالمرء لا يشاء لفلسطين أن تغدو مثالاً يسوغ نشر المزيد من تقنيات تتسم بالخسة والعنف والعنصرية لإخضاع شعوب بأكملها، في بقاع أخرى من العالم.
-
ما الذي "تبعثه" فلسطين، أو تجعل من الممكن رؤيته أو التلفّظ به أو الشعور به أو الإنصات إليه أو استيعابه، ليس فقط من زاوية أنماط العنف الاستعماري والعنصري والرأسمالي والأبوي، التاريخي منها والمعاصر، وإنما أيضاً فيما يتعلّق بإمكانات وجود أنماط لعلاقات جديدة/ قديمة بين بعضنا البعض، وكذا هياكل دعم جديدة/ قديمة للحياة ولتأمّلها معاً؟
-
إن المتحف المشاعي الفلسطيني هو مسعى يتّخذ الفن وسيلة توليد ومكاثرة بادرات التضامن والعناية المشتركة التي تسمح بدوام مساءلة الحياة وإعادة تخيّلها.
-
كيف لنا الاستمرار في أن نحلُم بفلسطين من دون أن نجتر تعميم العنف الاستعماري والعنصري والرأسمالي والأبوي؟
-
كيف لنا أن نقف في مواجهة الظلم والظروف غير الصالحة للعيش التي يرزح تحتها فلسطينيو الداخل والخارج، من دون أن ننكر إرادة أنماط الوجود التي لا يجوز اختزالها في أشكال المقاومة؟
-
كيف نعيد موضَعة فلسطين من وجهة نظر تحرير الحياة وانعتاقها؟ هل تسمح حال فلسطين بفتح آفاق تأمل الحياة وكذا المؤسسات/ الهياكل التي تدّعي دعمها للحياة بطريقة مختلفة؟
[1]يمكن ترجمة واعادة التفكير في كلمة شيوعية كمشاعية لعلاقة مفهوم المشاعية للملكية الشائعة في فلسطين خلال العهد العثماني وهي الملكية والرعاية الجماعية لاهل قرية باجملها للاراضي وليست الملكية الفردية لشخص او اشخاص معينة. ”الشيوع أو الملكية المشاعة وأحيانا الملكية الشائعة“
[2]instauration وهو مفهوم خاص بالإبداع الفني والفكري، ويعني السماح بوجود الموجود وتعزيزه وتكثيفه وتوسعته إلى أقصى الحدود. وهو خلاف لـ"خلق" الشيء من لا شيء، إذ تقبع كل الموجودات في منطقة وسيطة بين الوجود والعدم.
[3]Being-in-common - المعرِّب
[4]كارل ماركس، «نقد برنامج غوتا» 1875
[5]Disestablishment - المعرّب
[6] De-schooling، بمعنى تفكيك مؤسسة المدرسة باعتبارها النهج الوحيد للتعليم في المجتمع - المعرّب
[7]"العالم الذي يدمر كل العوالم": على سبيل الاختصار، يجوز أن نضع العالم بصيغة المفرد، وهو العالم المتجانس المشروط بمُحدِّدات الدول ورأس المال. أما العوالم بصيغة الجمع، فتشير إلى إبراز الاختلاف، إلى جانب كينونات وصيرورات مفتوحة.
[8]والمقصود النطاقات المشتركة من القاع، وهي خلاف الوعود العامة الآتية من القمة.
[9]انظر إصدارات «جمعية أصدقاء پارسيا»، http://centreparrhesia.org/
[10]Necropolitical، أي المنسوب لسياسة المَوات، وهي سياسة التحكّم في حياة وموت الأفراد في المجتمع، بحسب ما صاغها الفيلسوف السياسي أشيل مبيمبي - المعرّب